العمل الصالح
العمل الصالح
أنس فتى لطيف يحب الخير للجميع
شاهد ذات مرة كتابا شيقا في إحدى المكتبات وقرر شراءه
وراح يدخر بعضا من مصروفه ليشتري به ذلك الكتاب
ولما اجتمع له ما يكفي من النقود حملها وسار نحو المكتبة فرحا
كانت قدماه مسرعتين تكاد لا تلامسان الارض وبدا سعيدا مبتهجا وكأنه يطير بغير جناح
وبينما هو في طريقه لفت انتباهه طفل صغير يقف عند النهر
كان الطفل رث الثياب بيكي بكاء مرا فيصدر عنه نواح كالأنين وكأنه فقد شخصا عزيزا عليه
رق قلب أنس لهذا الفتى الصغير واقترب منه مواسيا وسأله لماذا تبكي أيها الفتى الصغير ؟؟؟؟
فتأثر الطفل عندما شعر أن هناك من يهتم لأمره فازداد بكاؤه
قال أنس بالله عليك أخبرني مابك فلربما أستطيع مساعدتك
قال الفتى الصغير لقد عملت طوال النهار بجد ونشاط عند أحد الباعة لأحصل على قطعة نقود تعينني على سد رمق أخي ورمقي لأننا يتيمان وليس لنا من معين إلا الله لكن قطعة النقود أفلتت من يدي وأنا أفكر بالطعام الذي سأشتريه وتدحرجت نحو النهر وسقطت فيه
قال أنس لاتحزن ياصديقي سأساعدك على التقاطها من النهر
وتقدم أنس نحو حافة النهر المتدفق وجثا على ركبتيه على رمال حافة النهر فأحس أن الرمال تغوص تحت ثقله وأحس بان شيئا قد تحرك تحت ركبتيه فنظر فرأى سرطانا صغيرا يفر هاربا من تحته ولكنه لم يهتم لذلك وتابع بحثه عن قطعة النقود المفقودة بين الأحجار المتناثرة في قاع النهر لكنه لم يعثر على شيء وعندما يأس من ذلك تقدم نحو الطفل وربت على كتفيه وقال له لاتحزن يا صديقي الغالي خذ هذه نقودي التي ادخرتها كلها لك وأرجوك أرجوك أن لاتبكي ولا أريد أن أرى دمعة على خدك
جمدت الدمعة في عيني الطفل الصغير وشع فيهما بريق السعادة والأمل وانقلب الحزن فرحا والبكاء ضحكا واندفع نحو أنس يعانقه ويشكره على معروفه الكبير ومضى بسرعة من أجل ان يحضر الطعام لأخيه وهو يدعو بالخير والمحبة لصديقه الجديد أنس ولمعروفه
قال أنس في نفسه أشعر بالسرور لأنني أستطعت أن أحول الدمعة الى بسمة واليأس الى أمل وسوف أدخر من النقود ثانية لأشتري ذلك الكتاب
تحرك أنس عائدا الى البيت وكانت الشمس قد استعدت للرحيل وراحت أشعتها الصفراء الباهتة تجري هاربة أمام ظلمة الليل
دخل أنس البيت واستلقى على الأريكة واخذ يفكر ثانية بما حصل هذا اليوم مع اليتيم الصغير الذي حرم من حنان والديه وحزن جدا لحاله واغمض عيناه وسرعان ما استغرق بالنوم فجأة سمع ضجة اتية من الخلف فالتفت الى مصدر الصوت فرأى رجلا قويا يتقدم نحوه وكأنه قد خرج من الجدار فأراد أن يصرخ لكن الصرخة تجمدت في حلقه وامتدت يدا الرجل القويتان الى أنس وحملتاه وسار به عبر الجدار حتى وصل الى قاعة كبيرة مثل قاعة المحاكم وكان يجلس في صدرها شيخ وقور وكأنه قاضي محكمة أدخل أنس قفص الأتهام فرفع القاضي عينيه وقال بصوت هادئ رخيم تقدم أيها المتهم أنس فرد عليه أنس لكنني لم أعمل شيئا خاطئا ولم اقترف جرما
قال القاضي كل الناس تدعى ذلك وهذا هو الادعاء الذي قدم ضدك .. نظر أنس الى القاضي الذي كان ممسكا بورقة الادعاء .. كانت يداه تنتهيان بملاقط كأطراف سرطان البحر فشعر بالخوف .. وتابع القاضي حديثه وهو يقول عندما جثوت اليوم قرب النهر استندت ركبتاك على بيت السرطان الصغير فهدمته وكدت تقتل صاحبه وهذا العمل الشنيع تستحق عليه أشد العقوبة . قال أنس ولكنني لم أقصد إيذاء أحد !!!!!
قال القاضي نحن نعرف ذلك .. وبما أن العمل لم يكن متعمدا فسأعطيك فرصة ربما تخفف عنك العقوبة أو تنقذك مما أنت فيه وأضاف هناك قرب المنصة يقف ثلاثة رجال أجلاء فإن ضمنك أحدهم وأخذ على عاتقه ألاتعود الى مثل هذا العمل نجوت من العقاب
نظر أنس نحو الرجال الثلاثة فرأى الأول وكأنه صديقه المفضل الذي يحبه فسأله أنس هل تضمنني أيها الرجل الطيب ؟؟؟؟
قال الرجل الأول عندي اليوم ما يكفيني من الأعمال والمشاغل ولاأستطيع أن أضمنك وخرج مسرعا من القاعة !!!
دب اليأس في قلب أنس ونظر الى الرجل الثاني وقال له هل تضمنني أيها الرجل القوي ؟؟؟؟
قال الرجل الثاني أنا أسف يا صديقي ... لاأستطيع أن أضمنك فأنا رجل مادي جدا ولاأؤمن بالعواطف والاقوال والحب اعذرني
قال القاضي يبدوا أنه ليس هناك من فائدة ... سنضعك في بيت من رمال ترقص فوقه كل السرطانات حتى يهدم عليك فيكون الحكم عادلا لأن العين بالعين والسن بالسن .
عندها تدخل الرجل الثالث قائلا أنا أضمنه بكل تأكيد وثقة ياسيدي !!!
قال القاضي : لقد نجوت .... أعيدوه من حيث أحضرتموه
انهمرت دموع الفرحة من عيني أنس الصغير لكنه صاح لن أبرح مكاني حتى أعرف من هؤلاء الرجال الثلاثة .
تبسم القاضي وقال الرجل الأول يمثل اصدقائك المنافقين والكاذبين بعواطفهم والرجل الثاني فيمثل نقودك التي ادخرتها فهو يحب المادة وأما الرجل الثالث الذي أنقذك . فهو عملك الصالح الطيب الذي قدمته لليتم الصغير والذي أفرحت به أنسانا كان في حالة ضيق .
أسند أنس رأسه على طرف مقعده متعبا قليلا من الحلم الذي راوده لكنه شعر بيد حانية تمسح دموعه وبصوت أمه يقول لماذا تنام على الأريكة ياأنس ومال بال دموعك تنهمر هل أنت متألم أو يؤلمك شيء
فتح أنس عينيه ونظر الى أمه غير مصدق وأحس بالفرح يغمر قلبه ... ودون أن يتكلم أمسك بيد أمه وقبلها وطلب من والدته ان تسامحه ان هو يوما أخطأ بحقها وسار نحو سريره مع والدته واستلقى على السرير واستسلم لنوم هادئ وأحلامك سعيدة
وانتم احلام جميلة ووردية واعمالكم كلها صالحة وطيبة
ودمتم بكل الخير والحب والسلام