الطفولة
(Childhood)
وهي الفترة الممتدة منذ ميلاد الإنسان، حتى بلوغ الرشد. ويعدها علماء النفس من الميلاد حتى تمام الثمانية عشر عاماً.
ويُعَدّ الطفل البشري الرضيع. أضعف الرضع بين كل الكائنات؛ فهو لا
يستطيع العيش مستقلاً، لضعفه الشديد، وقِلة حيلته. ويظهر ذلك جلياً في
عجزة عن المحافظة على حالة التوازن الحيوي في جسمه، المتعلق بدرجة الحرارة،
والنبض، وضغط الدم، ومعدل التنفس، والإخراج، والنوم؛ وعدم قدرته على
الحركة الإرادية الواعية، وقصوره عن التواصل اللغوي، ونقص نضج أجهزة الحس
لديه، وعدم قدرته على التعلم.
كل هذا، يجعله معتمداً على
رعاية والدَيه، خاصة الأم، أو من ينوب عنها. وأغلب الأطفال، الذين ينالون
عناية ورعاية كافيتَين، وتلبى حاجاتهم، يكونون مسترخين، سعداء. ويحتاج
الطفل حديث الولادة إلى فترة أسبوعَين حتى يتحقق له بعض التوازن. إلا أن
هذه الفترة قد ينقص فيها وزنه، ويضعف جسمه، إلى حدّ يهدد حياته. وهو يسبب
قلقاً مبالغاً فيه من الوالدَين، وحماية مفرطة له (Over-Protection) تستمر،
بعد ذلك، فتعوق نموه، وتؤثر في بنيته النفسية.
والإنسان هو
الأطول طفولة، بين سائر المخلوقات. وهذه ميزة حباه بها الله، حتى يكتسب
الخبرات، التي تيسر له سُبُل العيش، بعد ذلك، بل تجعله قادراً على حمل
الأمانة، التي اختصه بها الله، وحمّله إياها، كما جاء في القرآن الكريم
قوله ـ تعالى ـ: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا .
بعد أن تمرّ فترة أسبوعَين على الولادة، ويستعيد الطفل توازنه، يبدأ
تغيّره التدريجي، فيزداد وزنه، ويكبر جسمه، ويصبح أكثر تحكماً في حركاته
وسلوكياته، وأكثر تعبيراً عن نفسه. وتلك هي رحلة النمو. كيف ذلك؟ وما الذي
يؤثر فيه؟
النمو في الطفولة
يبدأ نمو الطفل في رحم أمه،
منذ أن كان بويضة مخصبة، حتى أصبح جنيناً، اكتمل نمو أجهزته، وتم حمله،
فيولد طفلاً يبكي ويتحرك وينام ويتغذى. وما النمو؟ وإذا كان قد بدأ داخل
الرحم، فما آليته؟ ومتى يتوقف؟
النمو هو سلسلة من التغيرات،
التي تحدث بطريقة مرتبة، ومتوقعة، كنتيجة للنضج والخبرة. وهو ليس إضافات أو
تحسينات فقط؛ وإنما عملية معقدة من تكامل عديد من التركيبات والوظائف.
ويأخذ النمو طريقه بعمليتَين متزامنتَين، ومتناقضتَين، في آن معاً، هما
البناء والهدم، بدءاً من لحظة الحمل إلى لحظة الوفاة. ولكن، في السنوات
الأولى، يكون البناء هو الغالب، على الرغم من حدوث الهدم معه، من البداية.
وبعد الوصول إلى قمة النضج، ينعكس الحال، فتصبح الغلبة للهدم، على الرغم من
استمرار النمو معه، ويتبعه الهرم والضمور والضعف. ويصور القرآن الكريم،
ذلك في قوله ـ تعالى ـ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
ضَعْفًا وَشَيْبَةً . وقوله ـ تعالى ـ كذلك: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ
طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى
وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
وعملية النمو عملية معقدة، يصعب فهْمها. وثمة نظريتان مختلفتان، تفسرانها:
الأولى:
الاستمرارية (النظرة المتصلة): وتصف النمو على أنه تراكم خطي متصل، ناشئ
عن النمو البطيء، من زيادة عدد الخلايا، والخبرات المكتسبة.
الثانية: المرحلية: ويقوم افتراضها الأساسي على تقسيم النمو إلى مراحل، أو مستويات. وتتميز كل مرحلة، أو مستوى، بتركيب داخلي معين.
ولا بدّ من التمييز بين النمو في الحجم، الذي هو الزيادة في عدد
الخلايا وحجمها، وتجميع الخبرات من كل المصادر، خارجية وداخلية؛ وبين
النضج، الذي هو تغيّر في الوظيفة، ناتج من التفاعل بين النمو والخبرة. وعلى
هذا، يكون النضج أقرب إلى المرحلية، بينما النمو في الحجم، أقرب إلى
الاستمرارية. ومن ذلك، يمكننا الجمع بين النظريتَين، بقولنا إن النمو، يبدأ
بتغير في الحجم (تغير كمي) يتحول، عند درجة ما، إلى تغير نوعي؛ أو أن
التراكم المستمر في نمو الحجم، يتحول، بعد فترة، إلى تغير في الوظيفة،
والانتقال إلى مرحلة أخرى من النمو.
ولذلك، ليس النمو طفرات
غير متوقعة، وإنما يتبع طريقاً محدداً، ومتوقعاً. وعلى الرغم من اختلاف كل
طفل عن الآخر، في بعض سمات النمو الخاصة، إلا أن النمو، يمر بمراحل، ويميز
كل مرحلة سمات عامة، يمر بها جميع الأطفال، تحدد خط السواء من عدمه،
وتُعَدّ توقعات، على الطفل أن ينجزها في وقتها الملائم (أي في سن ملائمة).
ومن اتفق مع هذه التوقعات، كان في حدود السواء. ومن شذ عنها، خرج إلى دائرة
الشواذ، أو المتخلفين والمرضى. وهذه التوقعات، قد تختلف، في بعض
المجتمعات، باختلاف الظروف المعيشية والحضارية. وهي تشمل إنجازات النمو،
على المستوى الجسدي، أي علامات النمو الجسدي؛ وإنجازات النمو، على المستوى،
النفسي والاجتماعي.
مراحل الطفولة
1. فترة حداثة الولادة (Newborn)
وهي
أقصر فترة من فترات النمو، خلال الحياة كلها. وتبدأ من لحظة الولادة، وتصل
إلى أسبوعَين بعدها. وفيها يكون المولود غير مستقر، نوماً ورضاعة، ويكثر
بكاؤه، ويقل وزنه ويستمر كذلك إلى أن يتكيف مع بيئته الجديدة.
2. مرحلة الرضاعة (Babyhood)
وتبدأ بعد أسبوعَين من ولادة الطفل، وتمتد حتى نهاية السنة الثانية من عمره. وتتميز بما يلي:
أ. سرعة النمو والتغير، الجسدي والنفسي.
ب. إقلال الطفل من اعتماديته، لنمو جسمه، وزيادة تحكّمه الحركي.
ج. كونها فترة التأسيس الحقيقية، للعديد من السلوك والاتجاهات، نحو
الآخرين وتجاه النفس؛ ولكثير من أنماط التعبير العاطفي. غير أن هذه
الأُسُس، لا تُعَدّ نهائية، فقد تتغير بعد ذلك.
وتُعَدّ هذه المرحلة
واحدة من أسرع فترتَين للنمو الجسماني، خلال عمر الإنسان. والفترة الثانية،
هي فترة المراهقة. ففي الستة أشهر الأولى، يستمر النمو سريعاً، فيزداد وزن
الطفل، وتكون الزيادة في الأشهر الثلاثة الأولى، بمعدل ثلاثة أرباع
الكيلوجرام، شهرياً. وفي الأشهر الثلاثة الثانية، 500 جم، شهرياً. ثم
تتناقص زيادة الوزن إلى 250 جم، شهرياً، في النصف الثاني من العام الأول.
ويلاحظ أن الزيادة، تكون في الوزن، أكثر منها في الطول، خلال السنة الأولى،
بينما يحدث العكس في السنة الثانية. وعلى الطفل أن ينجز التوقعات المطلوبة
منه، في هذه المرحلة، على المستويات الثلاثة، الجسدية والنفسية
والاجتماعية.
أولاً: على المستوى الجسدي: يستطيع الطفل، أن يرفع رأسه،
في الشهر الثالث. وبين الشهرَين الرابع والسادس، يقوى على الإمساك بالأشياء
بكلتا يدَيه، بعد أن كان يمسك بها بيده وفمه. ويمكنه الجلوس، منفرداً، بين
الشهرَين السادس الثامن. ويتمكن من الحبو، بين الشهرَين الثامن إلى
العاشر، ويقوى على الوقوف، من دون مساعدة، بين الشهر العاشر ونهاية السنة
الأولى، ويقدر على المشي، منفرداً، من دون استناد إلى الأشياء؛ بين اثني
عشر شهراً وثمانية عشر شهراً. وفي شهره الثامن عشر، يمكنه إطعام نفسه. وفي
عامه الثاني، يمكنه أن يقذف كرة كبيرة، ويستطيع القفز، ويتسلق السلم
وينزله، ويجرى جيداً.
ويقفل اليافوخ الأمامي، بين نهاية السنة الأولى
وثمانية عشر شهراً. ويصبح في مقدوره الإمساك بقلم، يخربش به، وقص ورقة
بالمقص. كما يظهر الطفل ميلاً إلى استخدام إحدى يدَيه أكثر من الأخرى، على
الرغم من أن ذلك، لا يحدد أيهما ستكون سائدة، بعد ذلك.
ثانياً: على
المستويَين، النفسي والعقلي: تكتسب سلوكيات الرضيع، في هذه المرحلة، صفة
الثبات. فتصبح الأم قادرة على توقع غالبية سلوكه، بين الشهرَين الثالث
والسادس. ومن الثبات والتكيف اللذَين ينجزهما، في هذه الفترة، إيقاع النوم
واليقظة، المطابق للحياة اليومية. فيستيقظ نهاراً، وينام ليلاً. ويبدأ
الطفل بتكوين أنماط الوظائف الأساسية، من الأكل والنوم والإخراج، حتى لو لم
تكتمل العادة عند نهايتها. ويستطيع أن يفهم ويستجيب بعض الأوامر البسيطة
(مثل إحضار الكوب). ويتميز سلوكه العاطفي، في هذه المرحلة، باستجابات
سلوكية مبالغ فيها، خاصة في حالة الغضب والخوف؛ ولكنها قصيرة الأمد، فسرعان
ما تزول، وتحل محلها عاطفة أخرى. وغالباً ما تكون انفعالات العواطف،
مرتبطة بمثيرات، سبق أن أثارت لديه انفعالات، في الماضي. ويأخذ السلوك
العاطفي شكل السرور أو الغضب أو الخوف أو الفضول أو الحب (التعلق).
ويبدأ
الطفل تحكمه الشرجي، عند سن ستة أشهر، في المتوسط. بينما التحكم المثاني
(في المثانة البولية)، عند سن ستة عشر شهراً. ويكون التحكم الشرجي، في
نهاية هذه المرحلة، أثناء اليقظة والنوم. وقبل نهايتها، يمكن الطفل التحكم
في عملية التبول، أثناء اليقظة فقط. كذلك، يكون فطام الطفل، غالباً، في هذه
المرحلة.
ثالثاً: على المستوى الاجتماعي: لهذه المرحلة دور مهم في
تحديد سلوك الطفل الاجتماعي. فعند نهاية الشهر الثاني، يصبح الرضيع قادراً
على تركيز بصره في الوجوه، خاصة العينَين. وهي علامة ذات قيمة لبدء التفاعل
الاجتماعي. وفي شهره الثالث، يبتسم ابتسامة اجتماعية، بشكل منتظم، وثابت،
ومتوقع، من خلال إثارة بصرية، خاصة عند مشاهدة وجه آدمي. وفي الشهر الرابع،
يبتسم ابتسامة خاصة للأم، التي بدأ يميزها عن غيرها، وهذه ابتسامة التعرف.
أما الابتسامة الداخلية، فهي موجودة منذ الولادة، إذ تلاحظ عليه أثناء
نومه المصحوب بحركة العين السريعة (REM Sleep) .
ويرى بعض الباحثين أن
تلك الابتسامة الداخلية، كان يبتسمها وهو لمّا يزل داخل الرحم، أي قبل
ولادته. وهي ترتبط بوظائف جذع الدماغ، أكثر من ارتباطها بنشاط قشرة المخ.
كما أن الضحكة، التي بدأ يطلقها عند الشهر الرابع، والباعثة لسرور والديه
وإخوته ـ هي من قبيل التواصل، مثل الابتسامة الاجتماعية، وتزيد من تفاعله
مع الآخرين.
ويبدأ بتميز الغرباء، ويخاف منهم، في الشهر السابع من
عمره. وعند الشهر التاسع، يبدأ الطفل في فهْم الإيماءات، وما تحمله من
تواصل، سواء كانت أوامر أو نواهي، وهي أكثر انطباعاً من الكلمات في فهمْه.
فإذا مد يده ليمسك بشيء، وهززت رأسك وأشرت، علامة للمنع، فإنه سيتوقف. وفي
نهاية السنة الأولى، تظهر لديه قدرة التعبير عن الغيرة والغضب والحب والدفء
والسرور.
وبصفة عامة، يكون الطفل، خلال السنة الأولى، في حالة توازن،
تجعله ودوداً، يسهل حمله واللعب معه. بينما يختل هذا الاتزان في منتصف
السنة الثانية، فيصبح سريع الاهتياج، غير متعاون، ويصعب حمله ومداعبته.
ولكنه يستعيد اتزانه، ثانية، قبل نهاية هذه المرحلة.
ونظراً إلى أن
الطفل أصبح لديه قدرة الانتقال من مكان إلى آخر، فإنه يصبح فضولياً، يودّ
اكتشاف كل شيء. ويتضايق عندما يحبطه من حوله، ويحدون من فضوله وحب
استطلاعه، لخوفهم عليه، أن يؤذي نفسه، بالمنظفات أو الأدوات الحادة أو
السقوط من على الأشياء المرتفعة. وبدلاً من معركة منع الطفل من الاستكشاف،
على الوالدَين تهيئة جو البيت لذلك. وعندما تكون علاقة الأم محبطة، فإنها
تدعم السلوكيات الشرجية، مثل القبض على البراز (الإمساك)، والسلوك السلبي
والعناد، والتي تصبح مرَضية، مدعمة ومشحونة، انفعالياً، بالعداء
والعدوانية. وكما أن الخبرات التصادمية، في هذه المرحلة، تحدث تثبيتاً
لسمات، مثل العناد، والعدوان السلبي، والانشغال الشديد بالنظافة، والميول
الوسواسية، والتناقض الوجداني.
ويتكامل الطفل مـع الأم تكاملاً
طبيعياً، في هذه المرحلة (Normal Symbiosis)؛ إذ إن الأنا لديـه، لا تتميز
مما ليس أنا. وذلك حتى سن أربعة أشهر. ثم يميز بين الآخرين وأمه، بين
الشهرَين، الرابع والسابع. ويتجه إلى الخارج، لإدراكه. فيبدأ في دفع أمه،
محاولاً الانفصال عنها. ولكنه يبقى ملتصقاً بها، يلعب عند قدَميها. وينتابه
قلق عند الانفصال عنها، وعند مشاهدة الغرباء. وفي الفترة من 7 أشهر إلى 16
شهراً، يستمر في ممارسة تحرُّكه في جوار الأم، مع الاهتمام بالأشياء
وتفحصها. وقد يصبح أحد هذه الأشياء موضوعاً انتقالياً (Transitional
Object). وهو شيء عزيز القيمة لدى الطفل، يعطيه شعوراً بالأمان والراحة،
وينقله معه أينما ذهب، وعند النوم، كذلك. وهذا الشيء هو رمز إلى حب الأم
والارتباط بها. وثمة فائدة في تكرار تحرُّك الطفل بعيداً عن الأم، والعودة
للالتصاق بها، كنوع من الشحن العاطفي، واستكشاف البيئة فائدة؛ إذ يمكنه
تكوين علاقات بآخرين، وتقبّل بديل الأم، لفترات قصيرة، خاصة بعد أن بدأ
يمشي على قدَميه. ولكنه يخاف، وينتابه قلق الانفصال، عند غيابها. لذا، فهو
يرغب في بقائها ومتابعتها له، أينما سار.
وللطفل، في هذه المرحلة،
مطالب نفسية، لا تتحقق إلا من خلال علاقته الاجتماعية بآخر. فهو، في السنة
الأولى، يطلب الأمان والثقة، اللذَين يتحققان من خلال علاقته بأمه، أو من
ينوب عنها. فإذا أعطي الطفل الأمان، أي عندما يبكى من أجل الطعام، يجد
استجابة ملائمة لطلبه؛ وعندما يبكي، خوفاً، يجد من يهدئ من روعه ـ فإنه يثق
بالآخر، ويطمئن إلى علاقته به. ومن هنا، أطلق (شعلان) على المرحلة الأولى
مرحلة الأمان، نقلاً عن (إريكسون)، الذي أسماها الثقة، في مقابل الشك
(Trust versus Mistrust) . وهي تقابل، عند (فرويد)، المرحلة الفمية (Oral)،
إذ يبرز فيها نمط ادماج (بلع) الطعام بوساطة الحلمة، أو الإحساس، بوساطة
الإصبع، كرغبة شديدة في التلامس بالفم. وخلال نصفها الأول، يكون النمط
السائد لدى الطفل، هو الحصول السلبي. وينتقل، في النصف الثاني من المرحلة،
إلى نمط الأخذ الموجب، المصاحب بالقضم، نتيجة لظهور الأسنان. ويأتي الفطام،
كحرمان للطفل، ولكن إذا كانت الثقة قد استقرت في نفسه، إلى حدّ ملائم،
فإنه سيتخطى ذلك، بأمل إنجاز تالٍ، بدلاً من الإحباط.
واضطراب هذه
المرحلة، يجعل منها نقطة تثبيت؛ فيحاول الطفل الإبقاء عليها، أو ينتقل
منها، بعد إشباع مفرط، يجعلها مؤثرة في سلوكه، فيستخدم الحب والثقة، في
موقف، يحتاج إلى القوة والشك. وعندما يسرع الطفل في الانتقال إلى إنجاز
تالٍ، متخطياً إنجاز الحصول على الثقة والأمان، تصبح هذه المرحلة نقطة
ضعف، لاحتياجه إلى الثقة، فتكون المبالغة، التي تخفي وراءها هذا الاحتياج،
ليؤكد بها ذاته. وبدلاً من طلب الحب والقبول مباشرة، يلجأ إلى القوة،
وينكر حاجته إلى الحب، ويبدو قاسياً، عنيفاً. وقد يصل إلى درجة البارانوية
والشك في مَن حوله.
أما في السنة الثانية، فإن الطفل، ينشد الاستقلال.
لذلك أسماها (إريكسون) الاستقلالية في مقابل الشك والخجل (Autonomy versus
Shame and Doubt)؛ إذ نمت عضلات رجلَيه، وأصبح ينتصب واقفاً، ويمشى بعيداً
عن أمه، مكرراً ذلك، ومؤكداً أنه كائن آخر، منفصل عن الأم، التي كانت
تحتويه في رحمها، ثم بين ذراعَيها. وكما تصبح عضلات المشي، في هذه المرحلة،
محوراً للإنجاز والتحدي مع الأم، فإن عضلات التحكم في المخارج
(Sphincters)، خاصة الشرجية، تصبح، كذلك، محوراً للإنجاز والصراع مع الأم؛
فعندما يرضى عنها، يتحكم في برازه، لا يلوث به نفســه، ولا يمسكه تحدياً،
ولكنه ينتظم في إخراجه، وفي عدوانه تجاهها. وقد يلوث نفسه، أو يمسك عن
الإخراج، لمدة طويلة، قد تصل إلى عدة أيام (Retention). لذا، أسماها
(فرويد) بالمرحلة الشرجية (Anal). والأنماط الاجتماعية المرتبطة بها، هي
الترك (Letting go)، أو القبض والتشبث (Holding-on). ويرتبط بها العدوان،
السادي ـ الشرجي (Anal-Sadistic). والطفل، في هذه المرحلة، حساس لما يقال
عنه، فإذا قيل عنه أنه سيئ، أو الأشياء التي تخصه سيئة، مثل برازه، فإن
الخجل، سيتولد لديه، ويشك في صوابه، وهذا يؤدي به إلى الشك في نفسه. كما أن
صفة العناد، ترتبط بهذه المرحلة، وتكون صحية، في حالة تأكيد ذاته
واستقلاليته. ولكن المبالغة فيه، تجعله صفة مرَضية.
.