أنا اليوم جبتلكون قصة اذا مفهمتو رح تحبوها
بيت الطفولة
بعد غياب طويل نوعا ما, زرت بيت الطفولة في قريتي البعيدة أذهلني ما حل به شيخوخة وهرم ونسيان, كان البيت ما زال على حاله من حيث الموقع الجغرافي, التقسيم الداخلي, والغرف, الحديقة, إلا أن شيئا آخر قد تغير, لقد شاخ البيت.
هل تشيخ الأمكنة ؟أم نحن نشيخ فنعكس نظريتنا على الأشياء؟
مرات عديدة استغرقت النظر إلى المرآة الموضوعة في الغرفة الصغيرة لأرى وجهي, بل لأنتبه أليه, كأني ألاحق ذالك الوجه الطفولي الذي غربته المدن وشتته الفراغات, وأنا أيضاً قد كبرت, لكنني ما شمخت, هل أقول هذا الكلام لأدافع عن شبابي؟
خرجت إلى الحديقة , الأشجار ذابلة, بل بكلمة أدق تعبيرً هي مستوحشة, ما شعرت به, وأنا أبحث عن السنديانة التي كانت صغيرة, ها هي كبرت وربما أكثر, لقد هرمت بعد الشيء.
كنت أجول هنا وهناك باحثة عن شيء ما, لا أعرفه بالتحديد ما هو, قد يكون أنا, تلك الأيام التي قضيتها, والسنين التي زرعتها, والقمر و الظل والشمس و الأصدقاء والأقارب, وأكثر من ذالك الأحلام, تلك التي تنام معي, وتكبر معي, في زوايا البيت, كل زاوية في البيت أعرف جيداً شكلها وعدد خطوطها والخربشة فيها, وقدماي قد لامست كل شبر فيه, ونظراتي كثراً ما طالت السقف العالي.
شاخ البيت, وهل تشيخ الأمكنة؟ هل لها عمر مثلنا نحن البشر؟ ما الذي يحكم شعورنا تجاه الأماكن؟ وما علاقتنا بالمكان؟ ماذا لو كان المكان ليس إلا نحن؟
بعد قضائي عدة أيام في البيت الطفولي, رأيته يعود شيئاً فشيئاً إلى حيويته, يلملم أنفاسه كأنه يبتسم!. نعم, أحسست أن البيت ينفض الغبار عنه ويبتسم, وحتى الأشجار, تراجعت عن ذبولها, وها هي ترحب بالقادمين.
أن الأمكنة تستمد حياتها من حضور قاطنيها. هي تخاف الوحدة والهجر. أن البيت الطفولي ليس إلا المكان الأليف الذي نعرفه فيه فقط طعم الراحة والأمان كما قال باشلار.
كيف مكن للبيت أن يحس بسكانه؟ كيف يعايشهم بأفراحهم وأتراحهم و همومهم وأمانيهم؟
كم تتغير صورة البيت في كل مناسبة وفي كل فصل وعند كل موت أو عرس؟
هل شعرتم يوماً أن البيت موحش لأن الوالدة ليست موجودة فيه؟
هل شعرتم يوماً أن البيت أصبح وسيعاً مضيئا عند زواج أحد أفراده؟
هل فكرتم يوماً كيف عكس البيت تصورات وطموح الوالد بنى هذا البيت ليتسع لعائلته الكبيرة؟ وكيف عكس ترتيب الأم وذوقها ورهافتها؟ كم من الأمسيات قد جمعتنا في غرفة الجلوس, كم من مواضيع ناقشناها, كم من اللحظات الجميلة في حين والحزينة في حين قد دخلت فيها ألى سريري ؟ هذا الذي كنت أراقب القمر عبره, كم أصبح القمر غريباً عني بعد ذلك؟
أن المكان ليس جغرافي أبداً, إنه المكان والزمان, لذلك تبدو البيوت المهجورة والمخيفة, إنها الخرائب المرعبة التي تسكنها الأشباح, فالإنسان يسكن البيوت العامرة , أما الأشباح فإنها تسكن الخائب, ولكن لماذا تتحول البيوت عند رحيل أهلها إلى خرائب, هل هي أرواحهم تعود لتسكن فيها,أم أن الكلام هو ضرب من شطحات الخيال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟